تمهين التعليم في العراق
تمهين التعليم في العراق
في ضوء الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم (المركز والاقليم ) للسنوات (2011 - 2020 )
أ.د.عباس علي محمد الحسيني
بسم الله كلمة المعتصمين ومقالة المتحرزين وأحمده فوق حمد الحامدين ، والصلاة على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الميامين
وبعد ..
مما لاشك فيه أن تمهين التعليم بدأ يحظى بأهتمام المجتمعات كافة رغم اختلاف مستوياتها العلمية والتربوية ، وأصبح هدفا ينشده القائمون على ادارة المؤسسات التعليمية فيه ويتذرعون بوسائل من شأنها ان تحقق الغايات التي يصبون اليها ادراكا منهم بأن السبيل الوحيد لاصلاح التعليم العالي وتطويره هو العمل على تمهينه من خلال عدة معايير ومبادئ واسس يختص بها سواء كانت أخلاقية او تربوية او اجتماعية.
والتمهين الذي نعنيه هو عملية اجتماعية تجعل من مهنة التعليم ذات خصوصية بحيث يكون لها موقعا مهنياعن طريق ايجاد نوع من المعايير والضوابط والاسس لهذه المهنة لتحقيق جودة للهيئات التعليمية .
وياتي طرح هذا المطلب المهم من أهمية التعليم نفسها ، اذ انها لم تعد – كماهو سائد عند الكثير- مقتصرا على نقل المعارف الى المتلقين ، بحيث يتلقى هؤلاء هذه المعارف من خلال وسيط هو التدريسي فحسب ، فالتعليم اليوم تخطى هذه المرحلة وتجاوز حدود هذا التفكير لوظيفته من معناها الضيق الى معنى اوسع تطلب لتحقيقه نشاطات أكبر من مجرد تنظيم المعارف ونقلها .
ولاشك في أن هذا الاهتمام بتمهين التعليم وجعله مهنة لها أصولها وليس مجرد حرفة تنتقل من الآباء الى الابناء له مايبرره ، ذلك لانه متى ماتوافرت له السبل الكفيلة بأنجاحه وازالة جميع العقبات التي تقف في طريقه سيجعل من التعليم عنصرا فاعلا في تحقيق التنمية الشاملة ويساعد على استثمار الطاقات البشرية التي هي الرافد المهم لعملية التعليم وتمهينه.
وقد دأبت الدول الاوربية في معظمها على تطبيق تمهين التعليم وتبعتها في ذلك الدول الآسيوية والافريقية وكذلك الدول العربية ويشكل متفاوت ، .الا أن الأخيرة أستمدت هذا الاهتمام من قادتها في العديد من مؤتمرات القمم العربية ، منها في بيروت عام 2002 ، وعمان عام 2003 ، وتونس عام 2007 ، الى ان تم اعتماد خطة لتطوير التعليم في الوطن العربي واعلان الاعوام 2008- 2018 عقدا عربيا للتعليم ضمن توصيات المؤتمر العام الاستثنائي الرابع للنمظمة العربية للتنمية والثقافة والعلوم .
والعراق جزء من البنيان العربي سعى عبر حقبات مختلفة من الزمن الى تأطير التعليم بأطر تشريعية وتنظيمية هدفت الى رصانة وتعزيز مكانته بين المهن الاخرى في المجتمع عبرسنوات مر به .
وشعورا من السلطة العليا في البلاد وضعت استراتيجية شاملة للتربية والتعليم ، ولعلنا نتلمس من خلالها ماهية الخطوات الموضوعة لتمهين التعليم في العراق .
اولا :. نبذة عن الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق (2011 - 2020 ) .
تمثل الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العالي في العراق (المركز والاقليم ) للسنوات (2011 - 2020 ) جهدا تربويا مستقبليا أعتمد على مبدأ التخطيط الاستراتيجي خدمة للاجيال القادمة ،ويسهم في الوقت نفسه في احداث نقلة نوعية في قطاع التربية والتعليم العالي بناء على ماتضمنته من منطلقات أساسية للغايات الاستراتيجية وكالآتي:.
1 – تعليم ذو جودة عالية ، وهو التعليم المستمد من طبيعة المجتمع العراقي المنتفع من أفضل الممارسات العالمية المتقدمة في التعليم وبما يحقق تنمية مفاهيم التفكير العلمي والابداع ويجعل المجتمع العراقي مساهما فاعلا في انتاج المعرفة ونشرها .
2- تعليم يحقق متطلبات المجتمع المتحضر وهو التعليم الذي يؤدي الى تطوير المجتمع المتحضر وتحقيق مبدأ المواطنة الصالحة .
3 – منظومة تعليمية فاعلة ودينامية تقوم على اصلاح نظام التربية والتعليم وتطويره وخصوصا فيما يتعلق بالاستخدام الامثل للموارد البشرية.
وشعورا بأهمية هذه الاستراتيجية فقد تشكلت عدة لجان لاعدادها ،وفي مقدمة ذالك كانت لجنة الاشراف برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات ووزير التعليم العالي ووزير التربية ووزير المالية ووزير التخطيط ووزير التعليم العالي في كردستان ورؤساء لجان التربية والتعليم في مجلس النواب ومستشاري الوزارتين وخبراء واستشاريين ، ثم لجنة الصياغة ولجان فنية تشكلت من مختصين في امور التربية والتعليم .
وتضمنت الاستراتيجية بنودا متعددة على شكل فصول تعلقت بالسياق العام ، وتحليل الواقع التربوي والتعليمي في العراق، والتوجهات الاسترتيجية لتحقيقها ، وموضوعات اخرى ذات صلة تسهم في تحسين البيئة التعليمية بعد قراءة الواقع التعليمي ووضع الاهداف المبتغاة والوسائل اللازمة لتحقيقها .
. ثانيا :. الغايات العامة للاستراتيجية .
- 1. تشريع قوانين جديدة لوزارتي التربية والتعليم.
- 2. اشاعة السلوك الاخلاقي واخلاقيات المهنة .
- 3. ايقاف أي استثناءات على نصوص القوانين .
- 4. ايجاد نظام متكامل للتأهيل ليشمل الاختصاصات المهنية والتقنية .
- 5. تأسيس مراكز وطنية في وزارتي التربية والتعليم متخصصة لتطوير المؤسسات التعليمية .
ثالثا -: وسائل تحقيق الغايات .
1- اعداد اعضاء الهيأة التعليمية وتأهيلهم لاكتساب المهارات التي تؤهلهم من اداء اعمالهم بافضل طريقة ممكنة .
2- تدريب الكادر التدريسي وتطويره على اختلاف عناوينهم وشمولهم بالدورات التدريبية .
3- ايجاد التعاون في مجال التدريب مع المنظمات الدولية ، مثل البنك
الدولي واليونسيف والمنظمات التربوية الاخرى .
رابعا :- الآليات المقترحة لتمهين التعليم .
لما كانت عملية اعداد الكوادر التعليمية تبدأ من القبول في الكليات وتوفير مناهج دراسية متميزة وأساليب تعليمية من شانها ان تخلق اعدادا جيدا لهم من الناحيتين العلمية والمهنية حتى يغدو التعليم مهنة متخصصة وهو جوهر تمهبن التعليم ، لابد من توافر بعض الآليات التي تحقق هذه الغاية ، ويمكن النظر الى هذه الآليات من جانبين :.
الاول : قبل ممارسة مهنة التعليم .
الثاني : اثناء مزاولة هذه المهنة .
الجانب الاول : الآليات السابقة .
يمكن النظر الى هذه الآليات وفق مايلي .
1 – اعتماد المعايير العلمية في اختيار أعضاء الهيأة التدريسية كما ونوعا .
2 – التقليل من تعيين حملة شهادة الماجستير كأعضاء في هيأة التدريس .
3 – اعتماد الكفاءات العلمية في اسناد الوظائف العليا في المؤسسات التعليمية .
4 – استحداث مراكز وطنية مستقلة لأغرض التقويم والتطوير الاداري .
5 – وضع المتعين حديثا تحت التجربة ولايجتاز هذه المرحلة الا بعد حصوله على درجة تقييم جيد أقل تقدير لممارسة التعليم بعدها .
6– تقوية وتنمية العلاقات بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة الاخرى .
7 - استخدام التقنيات الحديثة ومهارات الاتصال وتكنولوجيا التعليم في المؤسسات التعليمية واعتبار ذلك أحد المؤشرات الايجابية لاستحداثها .
8 – تأسيس رايطة مهنية ونشر مواثيق اخلاقية تحدد اخلاقيات المهنة .
الجانب الثاني : الآليات المعاصرة .
الى جانب الآليات السابقة لتحقيق مضامين تمهين التعليم هناك آليات لاتقل اهمية ، يشترط استمرار وجودها أثناء ممارسة مهنة التعليم وهي كالآتي :.
1 _ الحرص على تنمية مهارات الكوادر التعليمية بشكل دوري ومستمر من خلال اشتراط المشاركة في الدورات التأهيلية سنويا .
2 – المراجعة المستمرة والدورية للترقيات العلمية وتشجيع الكوادر العلمية على الحصول على ترقيات علمية عليا .
3 – اعتماد تقويم اداء عمل الكوادر العلمية من قبل مؤسسات مستقلة .
4 – جعل المؤسسة التعليمية مؤسسة منتجة من خلال علاقتها بخدمة المجتمع .
5 – منح مكافآت مالية وحوافز مختلفة لحث الكوادر التعلمية من ذوي الكفاءات العلمية على العمل والاشراف التخصصي .
6 – الاهتمام من خبرات الكوادر العلمية المكتسبة خلال سنوات عملهم ، فضلا عن رعايتهم وحفظ تراثهم العلمي .
7 – اشراك الكوادر العلمية بعقود مع دوائر ومؤسسات الدولة اما بشكل فردي او عن طريق مؤسسته وتشجيع المكاتب الاستشارية والعلمية والتي من شأنها ان تزيد من فرص تمهين التعليم واستمراره .
ويمكن أن نعرض أهم التوصيات في هذه الورقة وكالآتي :.
- تفعيل المادة (16) من قانون الخدمة الجامعية رقم (23) لسنة 2008 والتي تنص على امكانية تكليف بعض التدريسيين أو الباحثين في مؤسسات وزار ة التعليم العالي والبحث العلمي بأجراء البحوث والتجارب بهدف تطوير الجوانب الانتاجية والخدمية ، تماشيا مع ماأشارت اليه الاسباب الموجبة لهذا القانون لأجل الارتقاء بمستوى الكادر التدريسي والاكاديمي لتطوير العمل الجامعي على نحو ينسجم مع المعطيات والتغيرات الأقليمية قي مضمار التعليم العالي والبحث العلمي .
- قيام دائرة البحث والتطوير بعقد ورش عمل للتثقيف بالتمهين والتشجيع على تطبيقه في الجامعات .
- استحداث في كل جامعة مركز للتمهين يتولى وضع الخطط والآليات لتنفيذ متطلبات التمهين ، أو ان تناط هذه المهمة الى قسم ضمان الجودة في الجامعات واستحداث وحدات في داخل كل كلية لتحقيق الغرض المقصود .
- اعطاء دور اكبر لنقابة المعلمين بعد تأهيلها للاشتراك في اللجان التي تسهم في تطوير الكادر التدريسي
- اعادة النظر في التعليمات الخاصة بالتعيين واعادة التعيين سواء من حيث تشكيلها أو الآليات المتبعة ، بحيث يكون أعضاءها من المختصين القادرين غلى حسن الأختيار ، وأن يكون هناك امتحان للمتقدمين وأن يعطى أهمية أكبر للمقابلة التي تجرى للمتقدمين .
- الاهتمام بالتعليم المهني مما يستتبع تدريب القائمين بالتدريب في التعليم المهني .
- اعتماد مبدأ الثواب والعقاب في الاشتراك في الدورات التدريبية للتدريسي بعد توفير المستلزمات الضرورية للمشاركة فيها .
- الاستفادة من ايفادات التدريسيين الى خارج البلاد باجراء ورش عمل بعد عودتهم وأن يكون ذلك سببا للسماح لهم بالمشاركة بايفادات لاحقة من عدمه .
- اعتبار اختبار الصلاحية شرطا من شروط التعيين وليس اجراء لاحق بعد صدور الامر بالتعيين مما يقلل من أهميته في عملية التمهين .
- لاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال التمهين بغية اعداد كوادر تدريسية قادرة على التاهيل
- أن ماذكرناه اعلاه ليس كل مايمكن قوله ، وانما هي مجرد رؤى وأفكار استمدت نقاط شروعها من الاسترتيجية الوطنية للتعلبم والواقع كفيل بتعميقها وانضاجها وتقدبم حلول افضل لتحقيق غايات تمهين النعليم .
والله من وراء القصد