لتبدأ عملية الإصلاح والتنمية ... بالتعليم
أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لقد أعتمد قطاعا التربية والتعليم في جميع دول العالم المتقدم عملية التنمية الشاملة عنصرا أساسيا لها ارتكزت على الأنسان الواعي والمثقف والمسلح بالعلم والمهارات والخبرات فهو المحرك والدافع للعملية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة مع شرط توفير بيئتها المتسمة بالعدالة والحرية والحياة الكريمة.
فإذا كان طموحنا في بناء عراق متميز ناهض فلنبدأ بوضع أحد أهم اولوياتنا الوطنية وهي قطاعا التربية والتعليم بأعتبارهما عنصران رئيسيان في مسيرتنا التنموية وفي عملية الاصلاح بعد الإخفاقات التي ظهرت في كثير من القطاعات المهنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية . لذا أن ماتتطلبه المرحلة القادمة هو وضع الخطط الاستراتيجية التي تعالج التحديات التي تواجه مؤسسات التربية والتعليم العالي كي تنفذ ضمن برامح زمنية واضحة وصولاً لإعداد خريجين متميزيين تربوياً وعلمياً ومهنياً ، يمتلكون المهارات والقدرات اللازمة للتعامل مع مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعيةوالتقنية والسياسية ويعملون بكل اخلاص ونكران ذات ومهنية ، ولتكون بالاضافة لذلك القوانين والضوابط هي الفاصل المعتمد في جميع خطواتنا بحيث تسري وتطبق على الجميع سواسية.
لاشك ان التنمية في مجالاتها المختلفة تعتمد على المعرفة والإبداع والابتكار وافكار العصف الذهبي الخلاقة, ونحن نعلم إن التعليم هو الحقل الذي تستنبت فيه هذه الغايات, وينبغي رسم استراتيجيات وأهداف وبرامج تعتمد عنصري التربية والتعليم كمفاتيح للتنمية والتطوير من أجل تخريج كوادر بشرية مسلحة بالعلم والمعرفة , والتأهيل والتدريب , و يجعل مخرجات الجامعات عالية الجودة ركائز متينة في عملية التنمية , التي باتت مطلباً ملحاً وضرورياً لبناء مستقبل افضل , وعليه ينبغي ان تستجيب مؤسسات التربية والتعليم العالي لمتطلبات ذلك , من خلال بناء الكوادر البشرية المؤهلة من المعلمين والمدرسين والكادر التدريسي في الجامعات , التي تمتلك المعرفة المتقدمة ,في المجالات الثقافية والتخصصية , بالإضافة الى المهارات الضرورية اللازمة لسوق العمل .
فالتعليم هو المدخل الأساسي للمعرفة والثقافة والوعي والعلم والإنجاز ولتحقيق التنمية كهدف منشود يطبق ضمن استراتيجية مخطط لها والتي يمكن تمثيلها كحلقات متصلة في سلسلة او احجار في بناء يتم تشييده. ويجدر بالذكر ان مؤسسات التعليم العالي يجب ان توجه جهودها ودراساتها في مجال البحث العلمي , فبالإضافة الى التعليم ليكن شعارها كل تدريسي يجب ان يكون باحثا, كي يكون بامكانه المساعدة لأيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي يواجهها المجتمع بقطاعاته التنموية المختلفة , اي ان يكون في تواصل مستمر بين الجامعات وقطاعات المجتمع المختلفة , وتشاركهم فعالياتهم وانشطتهم التي تعنى بالتأهيل والتدريب والتعليم والتنمية بما يحقق توفير الطاقات البشرية ذات المؤهلات والقدرات العالية علمياً ومهنياً في قطاعات الاقتصاد والخدمة المجتمعية والانتاجية. لقد لوحظ مدى تأثير وجود مؤسسات التعليم العالي , جامعات او كليات او معاهد تقنية على المجتمعات وسكان المدن المتواجدة فيها على الحراك الثقافي وابعادها الاجتماعية والاقتصادية وتطور المجتمع وزيادة نسبة ذوي الشهادات الجامعية الاولية والعليا في تلك المجتمعات مع مؤشرات انخفاض ملحوظ بنسبة الامية فيها . ويعتمد في بعض الدول على مواردهم البشرية من الكفاءات لرفد القطاعات المختلفة , السياسية والاقتصادية والمهنية والتربوية , محلياُ ودولياً وضمن اهدافها واستراتيجياتها في تنمية مشاريع بمايسمى باقتصاديات المعرفة.
إن عملية إصلاح منظومة التعليم وواقع النظام التعليمي بمراحله المختلفة تعد برنامجاً متعدد الحلقات والمستويات. فلقد بدأ التراجع والتردي في قطاع التربية والتعليم العراقي منذ الثمانينات من القرن الماضي تزامناً مع بدء الحرب العراقية الايرانية الى أن وصلت قمة تراجعه بعد احتلال الكويت،عام 1990، وانهزام الجيش العراقي وفترة مايسمى بالحصار الإقتصادي،بعد عام1991، وتدني رواتب الموظفين وبضمنهم المعلمون والمدرسون وتدريسيو الجامعات الذين اصبح البعض منهم لايملك قوة يومه وعمل بعضهم بأعمال حرة مختلفة لا تليق بمكانتهم العلمية ، فضلا عن تعمد إدخال سياسة الرشوة في مفاصل التعليم .وخلال تلك الفترة خرج من العراق الكثير من ذوي الشهادات العليا من منتسبي الجامعات وباقي مؤسسات الدولة ممن انفقت عليهم الدولة واهلتهم بكافة التخصصات والمهن.
ومن هنا فان الخطوة الاولى في عملية إصلاح قطاع التربية والتعليم تبدأ من اصلاح التعليم الأساسي , من غير ترك باقي القطاعات , وبالتركيز على مرحلتي الروضة والابتدائية لما لهما من تأثير على بناء شخصية الطالب ومهاراته العقلية التربوية والمعلوماتية والأجتماعية.
صحيح أن وضع الخطط وتطبيقها بما يؤدي لتطوير مناهج وأساليب التعليم وأستخدام التكنولوجيا الحديثة له الأثر في جودة التعليم ويحقق بعض من اهدافه ولكن يبقى العنصر التنفيذي المهم هو المعلم وأداؤه وكفاءته ومستواه العلمي والثقافي وخبرته وابحاثه بمهنته وقدرته على التواصل مع الاعمار الصغيرة , وهيبته امامهم , وتحفيزهم بالشكل الايجابي . ان عملية تعيين معلمي مرحلتي الروضة والابتدائية تحتاج الى اعادة نظر وعملية اعدادهم يجب ان تكون ضمن منهجية يعد لها بكل دقة بأعتبار ان هذه المرحلة التعليمية هي قاعدة الهرم والاساس للعملية التعليمية ولابد من إخضاع المتقدم للتعيين فيها لبرامج تأهيل وتدريب وتقييم حاد بعيداً عن المجاملة ويفضل ان تدخل في بعض خطواته التقييم الالكتروني بعيدا عن المؤثرات في التقييم على العامل البشري.
تحدد درجة النجاح لكل تقييم أو أختبار ويمنح من يحصل عليها إجازة مزاولة مهنة التعليم الاساسي،حيث سبق وان كتبنا عن ضرورة العمل باجازات العمل الاكاديمي،وخلاف ذلك فلا يسمح لمن لا يحصل عليها بالتدريس وذلك لأهمية المرحلة وحساسيتها إذ إنها مرحلة التكوين والشروع لكافة المراحل المستقبلية الحياتية وأصعدتها المختلفة واهمها التأهيل الشخصي والفكري والمهاري. بالإضافة لبناء الشخصية الوطنية للمعلم والتدريسي وتعليمه مفاهيم الحقوق والواجبات في مجال عمله وخارجه وحدود تكوين علاقاته مع زملائه في المؤسسات التربوية وافراد المجتمع بمختلف مستوياتهم العلمية والثقافية.
إن المؤسسات التربوية والتعليمية التي تعتمد على المربي الناجح هي القادرة على تحقيق الاهداف التربوية في التنمية , فالتحصيل العلمي والثقافي للمعلمين قد لا يكفيان في ظل غياب الايمان بحقيقة التغيير المستمر الذي تشهده العملية التربوية في خلق إنسجام ومشاركة بين الأسرة والمؤسسة التعليمية فهناك صفات اخرى يجب ان يتمتع بها المربي حتى يكون قادراً على تحقيق الهدف التربوي والتنموي في كافة القطاعات.
لذا فالمعلم يقع على عاتقه عبء كبير في التعليم والتوجيه والتعامل الحذر لتأهيل العقول لعملية التعليم والتفكير والنقد والابداع مع رصده ومراعاته للاختلافات الشخصية والاسرية والمجتمعية للطلبة . ولأهمية مخرجات البرامج التأهيلية المختلفة وضرورة توفر كثير من عناصر الرقي الخلاقة والعلمية فيها فلا بد من ايجاد نظام وقوانين وضوابط لتفعيل الحوافز المادية والمعنوية المشجعة ليتمتع بها المعلم كي يقوم بدوره بافضل شكل . ويمنح المعلمون في الدول المتقدمة رواتب مجزية تكفل لهم التمتع برفاهية الحياة ومكانة اجتماعية مرموقة.وعندها ستتغير نظرة المجتمع السلبية لدور المعلم والمدرسة وتعود هيبة المعلم كأب ومربي وقدوة كما كانت في تاريخ ماقبل عسكرة المجتمع العراقي وإذابة الاواصر الأسرية والاجتماعية . ومن هنا ادعو لمؤتمر وطني لأصلاح التربية والتعليم واستنهاض المتخصصين للإدلاء بآرائهم التي ستكون الخطط الاستراتيجية للشأن العراقي مع الاستعانة بالمتخصصين بنفس الشأن من الكفاءات العراقية في خارج العراق لايجاد الحلول السريعة لاصلاح قطاعي التربية والتعليم .