التربية والتعليم والثقافة........ قاعدة التنمية البشرية 2
التخطيط لاستراتيجية الثقافة
أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
وصلتني اشارة من اخ صديق ينصحني بضرورة تعريف الثقافة وعدم مزجها بالتربويات والوطنيات والاخلاق ومعتمداً على نظرية ان كل شخصيةتربوية او اكاديمية في مجتمعنا هو مثقف وانا بودي ان اقول وبكل اسف ان هذا غير متوفر لدينا والثقافة هي السلوك والذوق والاخلاق والوطنية والتسامح وحب الاخرين والادراك وحسن التصرف والمتعة بالقراءة والكتابة والرغبة بنشر المعلومة ونشر الثقافة والمساهمة في التنمية البشرية مع الطموح للتسلح والانتهال من مختلف العلوم،بالاضافة للتخصص المهني او الاكاديمي، وثقافات شعوب وحضارات اخرى والاستمتاع بالفنون. اي ان المثقف ليس من هو الضليع في تخصصه فقط وانما من يكون مطلعا وخبيرا في تخصصات اخرى وممتليء بالعلوم والثقافات المختلفة وبالاضافة لتميزة بسلوكياته وممارساته الحياتية الخلاقة. ويمكن القول ان الاكاديمي في بلدان العالم المتقدم هو مثقف تحصيل حاصل،كونه حصل على ثقافة تراكمية من العائلة والبيئة المجتمعية والمدرسة والجامعة والاعلام الهادف، ولكن للاسف في بلدان العالم النامي والعراق من ضمنها ليس من الضروري ان يكون التربوي والاكاديمي مثقفاً لذا سيكون علينا التخطيط لاستراتيجية الثقافة التربوية الوطنية والعلمية والفنية والاخلاقية.فالثقافة هي شيء ينمو ،كما ينمو جسم الانسان واعضائه، نتيجة لتغذيه العقل البشري بمختلف عناصر الثقافة كذبذبات او اشارات او نسمات غير محسوسة ، كالرياح والنسمات التي تهب نتيجة حركة اجنحة الفراشة، ولا يمكن حصرها في منهج دراسي او تعليمي.
ولاعداد هذه الاستراتيجية، ينبغي ان يكون تبنيها من قبل وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة بالاضافة لبعض منظمات المجتمع المدني، ويجب ان يكون على وفق بحوث ودراسات واستقصاءات وتحليلات وجلسات عصف ذهني ومشاركات واسعة على المستويين المؤسسي والفردي ، والتي تحتاج جميعها الى وقت طويل ، ولا يمكن لمؤتمر واحد تقدم فيه اوراق بحث ليخرج باستراتيجية للدولة ، بالرغم من اهمية ما يمكن ان يقدمه الباحثون في اوراقهم العلمية .
ان وضع استراتيجية للثقافة ، ذات اهداف محدودة وبمشاركة جميع الدوائر والمؤسسات المعنية، متضمنة ببرامج وآليات خاضعة للمراجعة والتقييم واعادة النظر لم يعد ترفاً او طموحاً غير واقعي او امراً فائضاً عن الحاجة في عالمنا المعاصر .
لا احد ينكر اهمية الدور الثقافي في التنمية البشرية الشاملة سوى الجهلة . لذا يجب ان نؤمن ونبرر دور الثقافة في تهيئة العقول للمساهمة الفاعلة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. كذلك في تطوير القدرات والخبرات وفي استثمار المبادرات لتطوير الصناعة والتجارة والزراعة الوطنية ولتعزيز ورفد الاقتصاد الوطني وفي اثراء الحياة الروحية لتحقيق السعادة للمواطنين. بالتأكيد والضرورة ان يكون الهدف هو الحفاظ على قيم المجتمع ونشرها واتخاذ الخطوات لضمان تربية الاجيال المستقبلية عليها خصوصاً قيم الصدق والامانة بالاضافة لقيم الحرية والمساواة والعدالة واحترام القوانين وحب العمل والاخلاص فيه والتسامح واحترام الاخر مهما كان جنسه وشكله وعمله وطائفته ودينه وبضمنهم ذوي الاحتياجات الخاصة ومنحهم الرعاية اللازمة ضمن البرامج العالمية لحقوق الانسان ووضع الآليات لغرس جذور المواطنة لدى الاطفال والشباب وترسيخ قيم اكثر تجريدا وموضوعية مثل التعلم الدائم والتفكير الاستقرائي والمحاكمة العقلية للقيم الصالحة وربط السلوك بالقدوة .
ان غياب الاسترتيجية الوطنية في المجال الثقافي سيكون له شأن في تراجع التنمية البشرية وتهديد الامن الوطني وسيعرض المجتمع للتفكيك القيمي والتماسك الاجتماعي بالاضافة الى ما سيبرز من ظواهر الفساد والعنف المجتمعي والتعصب وضعف الانتماء الوطني وضعف الوعي السياسي والادراكي.
ان الدولة، وبالتركيز على وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة بشكل اساسي بالاضافة لوزارات ومؤسسات اخرى، هي المسؤولة في الاعداد لبرامج التنمية والانتماء الوطني وزرع قيم المواطنة ونشرها وتعزيزها مع قيم اخرى ضرورية في المجتمع والتي من شأنها ان تشكل الحاضنة الثقافية والمرتبطة بخطط الدولة التنموية .
ومن الخطأ ان يلقي عبء ذلك كله على وزارة واحدة بعينها كوزارة الثقافة مثلا لتناط بها مهمة وضع الاستراتيجيات للبرامج الثقافية للمجتمع ونحن نصر بعدم امكانية وزارة الثقافة بمفردها القيام بتحفيز ونمو ثقافة المجتمع بل انه شأن جميع مؤسسات الدولة وكل المجتمع ومؤسساته الثقافية والتربوية والعلمية ومثقفيه المحملين بالهم الثقافي. ولذا سيصبح لزاماً على الوزارة اشراك كافة الاطراف في صياغة الاستراتيجية وتحتفظ وزارة الثقافة بالاضافة لوزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية بالدور القيادي والمنظم والمشرف والمتابع والمراقب والمقييم للخطوات العملية والتطبيقية للخطط والبرامج المخطط لها ضمن الاستراتيجية.
ان الدور الريادي لوزارة الثقافة هو رعاية وتفعيل البرامج والمشاريع الفكرية والادبية والفنية المتنوعة في المجتمعات المحلية. وكذلك يجب ان يكون دورها فاعلا باداء المبدعين والمثقفين ولديها الاليات لاستقطابهم ورعايتهم. ويجب ان تؤمن بدور المثقف التنويري وبتنمية قدرات الانسان الذهنية والعقلية وبناء وتطوير المجتمع ضمن منظومة القيم الحضارية. لذا ان رؤية وزارة الثقافة يجب ان تكون واضحة وتحدد فيها ماهية العمل الثقافي انطلاقا من مفهوم كلمة (الثقافة) ثم تحدد المكونات الاساسية للجسم الثقافي واليات تنفيذ برامجه. كذلك ضرورة خروج الوزارة من الاطر التقليدية وبناء جسور من التعاون مع المؤسسات التي لها دور في تعليم وتثقيف النشيء كوزارات التربية والتعليم العالي ووسائل الاعلام والاندية الشبابية والرياصية للتعاون في غرس انماط ثقافية ايجابية وفي تعزيز النسيج الاجتماعي والحضاري لعراقنا العظيم.
وبشكل اكثر شمولية يمكن القول ان المؤسسات الشريكة لوزارة الثقافة هي منظمات المجتمع المدني ووزرات التربية والتعليم العالي والرعاية الاجتماعية ودوائر الاوقاف والاعلام وباقي المؤسسات المسؤولة والتي لها دور في التنمية البشرية. ومن الضروري ايضا وضع سياسات للبحث العلمي للنهوض بالسلوك الثقافي وتعديل المناهج الدراسية وخطط وسياسات التربية والتعليم العالي والمؤسسات الاعلامية بما يرتقي ويحفز الثقافة السلوكية والمهنية والوطنية والعلمية والفنية وضمن المباديء التي اقرتها جميع الاديان السماوية من تعاليم وقيم سلوكية وادبية .
ان متطلبات الاستراتيجية هو تحديد الاهداف المشخصة من قبل كافة الاطراف المعنية وبعدها يتم وضع الخطط المتفق عليها كذلك من كل الاطراف مع وجود الاستعداد للالتزام والحرص على تنفيذها على ان يتم اعادة تقييم الخطوات المتخذة ضمن فترات زمنية محددة بعد الاستقصاء والسؤال من كافة الشرائح المستفيدة واعادة النظر بكل مسار متدني التقييم .
ومن الواجب استمرارية تقديم تحليل موضوعي للبيئة الثفافية للوقوف على نقاط القوة ونقاط الضعف وتأشير الفرص الناجحة والتحديات وذلك باعداد قاعدة بيانات ومعلومات في كل ما يتعلق بالشأن الثقافي مثل مستوى التعليم ودرجاته وانواعه وتوزيعه حسب الفئات المختلفة وفي المناطق المختلفة وبنسبته بين فئات المجتمع المختلفة. وكذلك رصد واحتساب وتقييم نتاج التأليف والترجمة والابحاث والدراسات العلمية والندوات او المؤتمرات الهادفة والاحتفاليات بالايام او الاسابيع العالمية والوطنية. وماهي الفعاليات الثقافية واعدادها ونسب واعداد مرتاديها. وما نوعية النصوص الثفافية المختلفة ونسبها ضمن المناهج الدراسية. وما هي برامج النشاطات والمبادرات اللاصفية او اللامنهجية والثقافية ضمن الايام الثقافية والدراسية في المدارس والجامعات والمعاهد المهنية. واما العامل والمعيار المهم والمؤشر لرقي ورفعة الثقافة هو عدد المراكز او المدن الثقافية وعدد المتاحف والمعارض الفنية والمكتبات والمعالم الاثرية والتراثية في مختلف المدن،وليس الكبيرة منها فقط، وعدد مرتاديها .
ان مستقبل التنمية البشرية والنهوض بالواقع العلمي والثقافي والاقتصادي والصحي والاجتماعي منوط بكافة مؤسسات الدولة وهذا العمل يحتاج الى وقت طويل وجهد كبير وخطة عمل فرق لا فريق واحد مع الاستعانة بالمتخصصين من الباحثين وبمراكز للدراسات والاحصاءات لاجراء الاستطلاعات وجمع معلومات وبيانات ووضع الاستراتيجية الثقافية ستكون هي الخطوة الاولى لعراق متقدم ومستديم التنمية .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.