Get Adobe Flash player

التّربية والتّعليم والثّقافة أركان قاعدة التّنمية البشريّة 1

 

 

اعتماد  البرامج الثّقافيّة في المؤسّسات التّعليميّة  

 أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى

يؤدي قطاع التّربية والتّعليم العالي دوراً أساسيّاً ومباشراً في عملية التّنمية الشّاملة مضمّناً أهدافه لازدهار الاقتصاد والنّهوض بالواقع الصّحيّ والثقافيّ والاجتماعيّ الذي يؤدي بالتّالي إلى تحسين نوعية الحياة لجميع شرائح المجتمع وأفراده. وكثيراً ما كُتب عن عوامل وأسباب تردّي هذين القطاعين وتراجعهما،كما كُتب باستفاضة عن المقترحات والحلول للنّهوض بهما بوصفهما عنصرين ارتبط أحدهما بالآخر وما لهما كذلك من ارتباط مباشر بتنشأة وتعليم كوادر المستقبل وتعليمها في شتّى حقول التّخصّصات العلميّة والمهنيّة المختلفة متناسين قطاعاً مهمّاً متلازماً ومرتبطاً مع القطاعين أعلاه، وهو قطاع الثّقافة لما له من دور مهم وفعّال يساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملية التّنمية البشريّة وفي جودة مخرجات تلك الكوادر،كما يساهم في تعزيز الحالة الوطنيّة والمواطنة وتوسعة آفاق تفكير الشّباب وتطلعاتهم ليكونوا مبادرين ورياديين في العمليات التّطويريّة في حياتهم العمليّة. لذلك يعدّ تركيزنا على دور الثّقافة والاستراتيجيّات الواجب رسمها واتخاذها من الضّرورات الملحّة والأساسيّة في عمليّة التّنميّة البشريّة الشّاملة .

إنّ للثقافة دوراً أساسيّاً ومهمّاً في إنجاح قطاعي التّربية والتّعليم وخلو العملية التّعليميّة من العناصر الثّقافيّة، سواء في المناهج أو الرّؤيا أو الرّسالة أو الأهداف أو أساليب وطرق التّدريس أو الإدارة التّربويّة أو غيرها من الوسائل التي يمكن اعتمادها لنشاطات لا صفية، سيضعف العمليّة بأكملها. فالتّربية والتّعليم من غير ثقافة كمَّنْ يزرع زرعاً، ويرويه بالماء،ولكن من غير هواء أو شمس أو سماء أو كعيش إنسان في بيئة تتوفّر فيها جميع العناصر الحياتيّة لكن من غير وجود بشر أو رفيق بالقرب منه. إنّ الثّقافة هي روح العمليّة التّعليميّة وهي الضّامنة لسلامة وجودة مخرجاتها واستمراريّة رقيّها باستمراريّة النّتائج وترسيخها في العقل والوجدان وفي أوصال المجتمع ووشائجه .

 إنّ دمج العناصر الثّقافيّة من قيم إنسانيّة وأخلاقيّة وآداب وسلوك راقٍ وعمل إبداعيّ وغيرها بالمادة التّعليميّة سيؤدّي إلى منح المادة التّعليميّة قيمة إضافيّة وأهميّة كبيرة للمتعلّمين،وسيكون انتفاعهم منها متزايد باطّراد .

 إنّ الثّقافة تعدّ عنصراً أساسيّاً من عناصر نشأة الإبداع وتشجيع التّفكير الخلاّق لدى المتعلمين،وجعل التّعليم المنتج والمشارك في البناء وتطوير الموارد البشريّة بالمبادرات والأفكار والإبداع، بدلاً من أن يظلّ عبئاً على المجتمع وموارده .

    ومن ناحية أخرى فإنّ مزج الثّقافة بالتّعليم يساعد في تسخير بعض الطّاقات الشّبابيّة واستهلاكها،ويوجّهها للنّواحي الايجابيّة بدلا أن تُستغل للنّواحي السّلبيّة مما تؤدي في بعض الأحيان للعنف في المؤسّسة التّعليميّة، كالمدرسة أو الكلّية أو المحيط والبيئة المجتمعية سواء بين الطّلبة أنفسهم أو بين الطّلبة وما حولهم من باقي شرائح المجتمع بدءاً من عائلاتهم وصولاً إلى المسؤولين عن تعليمهم أو إدارة المؤسسة التي يتعلّموا فيها أو شرائح المجتمع المحيط بهم. فالثّقافة عندما تبرمج مع التّعليم  ،وتُدمج به،وتصبح أحد مؤشّرات التعيين ومعاييرها في المؤسّسات التّعليميّة،تكون واحدة من الوسائل النّاجعة للتّخفيف من العنف الشّبابيّ والتّوتر وتراجع سلوك التّسامح والمحبة والألفة والتّعاون داخل المجتمع،كما تعمل على التمسّك بالكوادر المثقّفة والمبدعة والمبادرة مهنيّاً وسلوكيّاً،وتعمل على استثمارها خير استثمار.

إنّ دمج الطّلبة في المدارس والجامعات بالأنشطة الثّقافيّة إلى جانب الأنشطة التّعليميّة تضمن انخراطهم في قنوات تعزّز حسن أدائهم الايجابيّ وتفريغ طاقاتهم بما هو مفيد ويساعد على الارتقاء بوعيهم ومستوى تفكيرهم أو إبداعهم. وهذا بدوره  سيؤدّي في وقت مبكر إلى اكتسابهم عادات ثقافيّة ممارستها تشير صراحة إلى تميّز الفرد وتؤدّي كذلك إلى رقي المجتمع وتقدّمه. فالتوجّه  لاستثمار الأوقات في المطالعة الهادفة أو حفظ مقاطع شعريّة أو دراسة مقوّمات حضارات انقرضت بالإضافة للعوامل والميزات لشعوب العالم المتقدّم الحالي أو تعلّم التّقنيات الحديثة من التخصّصات البعيدة عن تخصص المتعلّم وممارسة بعض التّطبيقات عليها أو مشاهدة العروض المسرحيّة الهادفة البنّاءة أو زيارة معارض الرّسوم التّشكيليّة أو زيارة المتاحف أو الأماكن السّياحيّة أو غيرها من الوسائل التّرفيهيّة الثّقافيّة التي تُعدّ من العناصر التي تساعد في بناء ثقافة الفرد.

أمّا نقص المادة الثّقافيّة والممارسات غير المنهجيّة المسمّاة بـ" باللاصفيّة" في النّظم التّعليميّة في أي مجتمع سيعرّي المظاهر السّلبيّة،ويفضحها،ويغلبها،ثم يهزمها دون شكّ،ولذا فإنّ جزء من مستقبل التّنمية الشّاملة والاجتماعيّة يقع على عاتق المخطّطين والمسؤولين في وزارة الثّقافة وبالتنسيق مع مسؤولي وزارتي التّربية والتّعليم العالي،وذلك عبر التّخطيط لدمج المواد الثّقافيّة بالبرامج الدّراسيّة وتأهيل التّدريسيين في شتّى مستوياتهم لأخذ أدوارهم في تنشيط العوامل الثّقافيّة وإغناء العمليّة التّربويّة بالمحتوى الثّقافيّ بالإضافة إلى وسائل تتخذ وتبرمج ويُخطّط  لها من قِبَل إدارة المؤسّسة التّربويّة أو التّعليميّة،وهي وسائل تتباين بين مرئيّة ومسموعة ومقروءة وغيرها من الأدوات والمستلزمات والمرافق التّرفيهيّة التي ستصقل مهارات الأطفال والشّباب خارج القاعات الدّراسيّة.

ولابدّ من التّنسيق بين المؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة والمؤسّسات الثّقافيّة الرّسميّة وشبه الرّسميّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ وكذلك بمساعدة المتخصّصين من التّربويين والأكاديميين سيجعل العمل هادفاً وفعالاً في النّهوض بعوامل التّنميّة البشريّة وبمثلثها التّربية والتّعليم والثّقافة،وهذا ما سنشير إليه في مقالتنا اللاّحقة ( التّخطيط لاستراتيجيّة الثّقافة) .

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

http://www.alrafedein.com/news.php?action=view&id=8045

البحث