Get Adobe Flash player

مخرجات التعليم الثانوي والجامعي و واقع الأحتياج الفعلي والتوزيع المتجانس

الطبيب الأستشاري  الاستاذ الدكتور وسيم فاضل التميمي – المستشار الثقافي- الأردن  24\4\2022

ترتكز نظم إدارة الجودة على ثمانية مبادئ أساسية ومنها ما ينص عليه  المبدأ السابع ( اتخاذ القرار بناء على حقائق في سبيل تحسين أداء المنظمة) ,, فضلاَ عن الدور المهم لكل المبادئ الأخرى بصورة مجتمعة .. ومن الأمثلة التي تتطلب أدارة وتطبيق نظم الجودة  وبشكل ألزامي هو خطة القبول السنوية للدراسات الجامعية  (الأولية والعليا) وما يترتب عليه من فرص وظيفية متلائمة مع الأحتياج الفعلي لمنظور البلد وما يساهم جدياّ في تفعيل أنسجام المؤهلات مع العمل الوظيفي وما يلحقه من الأستفادة المثلى من الدراسة الأكاديمية التخصصية في تطوير العمل المهني والأدراي بمنظور الخدمات المقدمة للمجتمع .. وفي مراجعة بسيطة (ضمن النظرة عامة  وليست بالمفهوم العلمي التحليلي) .. يستطيع المراقب أن يستنتج تراكم أعداد الطلبة وبشكل متزايد  ضمن تخصصات دراسية محددة على مستوى الدراسات الجامعية الأولية  اضافة الى تزايد غير مدروس لحملة الشهادات العليا ضمن تخصصات محددة بعينها كذلك .. وما يترتب على ذلك من  ضغوط مجتمعية على أنظمة الدولة بالمطالبات لتوفير الفرص المواتية للعمل والتوظيف الحكومي بالخصوص .. و على سبيل المثال .. نجد عدد كبير من الطلبة العراقيين يفضلون الدراسة خارج العراق لدراسة تخصصات معينة ومنها المجموعة الصحية بمختلف برامجها  الدراسية بغض النظر عن المؤهل للدراسة الثانوية والأمكانات العلمية  .. ومن الأمثلة الأخرى تزايد الطلب للحصول على فرص للدراسات العليا داخل العراق وخارجه  آخذين بنظر الأعتبار ان القبول للدراسات العليا خارج العراق لا يتطلب الشروط المنصوص عليها داخل العراق  مما يدفع بالمراقب ان يسجل بإستغراب العدد الفائق لطلبة الدراسات العليا المتوزعة في لبنان وتونس مثلاَ.. وغيرها من الدول المجاورة  وبإستقراء بسيط  (غير علمي ) سنجد مستقبلا  ان (متوسط )  الشهادة الجامعية  التي يحملها عدد لا بأس به من الخريجين هي شهادة الماجستير وليست كما دارج و مألوف  بان تكون شهادة البكالوريوس او الدبلوم   هو (المتوسط ) للمؤهل العلمي في العديد من المجتمعات ..أن تشخيص أية حالة أستثنائية  يجب ان يُبنى في ضوء مسبباتها  ومنها :

  1.  التدريس الثانوي التقليدي و الاسلوب الرتيب في تراكم المعلومات  النظرية  وأسلوب التعليم الدارج من قبل معظم المدارس  وعدم تأهيل الكوادر التدريسية  لتطوير  قدراتهم التي تحفزعلى التعّلم من قبل الطالب والأستمتاع بالتقصّي عن المعلومة   مما يساعد على تطوير البحث العلمي الأستنتاجي أكثر من اسلوب الحفظ التقليدي والتذكر
  2. مخرجات الدراسة الثانوية و التضخم الكبير في معدلات التخرج بين العديد من الطلبة الذين لا تتماشى مؤهلاتهم وامكاناتهم العلمية مع  تحصيلهم النهائي من حيث المعدل .. و لذلك نجد كثيرا منهم يتعثر في دراستهم الجامعية
  3. عدم تطوير الطرق المتبعة في الأختبارات الشهرية والسنوية و  قلة تنوع أساليب التقييم للطلبة  بالطريقة التي تدفعهم الى تركيز جهودهم عند الامتحانات النهائية للحصول على نتيجة باهرة  بغض النظر عن مسيرة الطالب الدراسية حيث ان أسلوب الأختبارات  لا يزال يعتمد على الحفظ  وزخم المعلومات مع أدنى نسبة للتحليل والأستنتاج العلمي والمنطقي 
  4. عدم توفر قاعدة بيانات علمية في متناول أدارات المدارس و قياديّ الأنظمة التربوية  بما يؤهلهم للمشاركة الفاعلة في المساهمة لتحديد المتطلبات العلمية  التي تكون ضمن أحتياج خطة  البلد التطويرية للمستقبل بما يوفر أرضية ملائمة لتأهيل كوادر وظيفية من أجيال الطلبة للمشاركة الفاعلة في تلبية هذه الأحتياجات و تعزيز الخطط التدريسية والمناهج الدراسية بما يواكب هذه الأحتياجات
  5. الثقافة المجتمعية بالتركيز على تخصصات معينة وتصنيفها على أنها استحقاقات و كفاءات علمية تتفوق على  التخصصات الأخرى و النظرة القاصرة للطالب في مرحلة الثانوية و ذويه  في مواكبة التخصصات العلمية التي  بدأ العالم يحتاجها و قد أكتسحت  سباق الوظائف و  نافست التخصصات المعروفة من حيث الدخل الشهري
  6. الدافع المجتمعي (غير العلمي ) للتمييز الطبقي بين افراد المجتمع بالحصول على شهادات عليا  دون الأحتياج الوظيفي لها  او بأنعدام دافع التطوير الذاتي عند الكثير
  7. أثر المكاسب المادية التي تدفع بالطالب لأختيار الدراسات الجامعية الأولية التي تضمن له فرصة التوظيف الحكومي بالطريق الأسهل او الأمتيازات المالية التي تضمنها الشهادة الجامعية  العليا للموظف  مما يدفعه للحصول على شهادة عليا ليس لغرض التطوير الاداء وانما للاستفادة من الأمتيازات
  8. اثر الأحتياج الى واجهات من ذوي الشهادات العليا ليمثلوا جهات مؤثرة في الواقع السياسي و تملك المؤهل الرسمي للترشيح لمواقع قيادية  وفقا لمبادئ التوازن بين القوى المؤثرة  في الخريطة  السياسية
  9. وجود التشريعات الأدارية الضامنة للحصول على فرصة الدراسات العليا ضمن أبسط الشروط واسهل الظروف و دون الأعتماد على  ضوابط للمرشحين من حيث المؤهل والأمكانية  والتنافس والعمر ( لا سيما بالنسبة للمقبولين للدراسات خارج العراق) مع  عدم التقيد بخطة معلومة مسبقا للأحتياج الفعلي وفرص التنافس للقبول حيث أن هذه الخطط الدراسية  تتميز بعدم  التقيد بشروط نسبة الكادر التدريسي المؤهل للاشراف على الدراسات العليا  ضمن القسم المعني  وتتميز بالتجاوب  لضغوط  مجتمعية متغيرة من حيث طلبات توسعة نسب القبول   ولأكثر  من مرة مما تسبب في تجاوز الخطط الدراسية المتوافقة مع الأمكانيات بالنسبة للدراسة داخل العراق
  10. وجود أستثناءات كثيرة للضوابط القبول سواء بأضافة الدرجات لخريجي الثانوية لفئات محددة ضمنتها تشريعات قانونية ولكنها تسببت في  أسبقية بعض الطلبة بالمعدل النهائي  على طلبة اخرين يملكون مؤهلات علمية افضل (مستفيدين من هذه الأمتيازات) ,  وكذلك الحال بالنسبة لتخصيص قنوات استثنائية لبعض الفئات بالنسبة للقبول في الدراسات العليا و هي تخضع  بنفسها كذلك للزيادة والتوسعة تماشياَ مع الضغوط المجتمعية المتغيرة
  11. عدم أنخراط  الخريجين في سوق العمل , مما يدفع نسبة  كبيرة منهم لأستكمال الدراسات العليا  متأملين زيادة هذه  الفرص بعد الحصول على الشهادة

 وقد ترتب على ذلك كله :

  1. تكدس وتشبع عدد من الخريجين الذين يحملون   شهادات متساوية بالدرجة و التخصص .. (حيث أنصهرت كل المتغيرات  و الأمكانات التي تميز بها الطلبة في سنوات الدراسة)   لدرجة      تفوق الأحتياج و الخطط الوظيفية وسوق العمل المحلي  مما دفع بعض المنظمات و الهيئات للأعلان عن عدم ضمان الأنتساب لهؤلاء الخريجين مستقبلاَ ( خريجو كلية الصيدلة )
  2. حركات مجتمعية ضاغطة تطالب بفرص  تضمن التوظيف الحكومي بأعتبارهم  من الكفاءات العلمية الرصينة  بالرغم من الترهل الوظيفي المعلوم في كل مؤسسات الدولة
  3. مطالبات بأمتيازات متعددة تتماشى مع مستويات التحصيل الأكاديمي بما يفوق قدرة الدولة على توفيرها  بوجود هذه الأعداد المتزايدة
  4. أستنزاف الكوادر الوسطية المهمة لديمومة عجلة الأبداع و التنفيذ و الأنجاز  بسبب النقص الكبير في حاملي الشهادات الفنية و المهنية وما أدى الى قلة بعدد الكوادر الحرفية الأكاديمية
  5. اضطرار بعض التخصصات المهمة لقبول فئة من الطلبة ممن لا يحملون المؤهلات لمواكبة الدراسة و الأبداع  وذلك لسد النقص الحاصل جرّاء تراكم الطلبة في تخصصات  دون الأخرى
  6. أحباط الكوادر التدريسيةبسبب عدم  تكافؤ  ظروفهم الأكاديمية مع  المخرجات التي يتأملون إعدادها  وبسبب عدم أهلية مستوى الدارسين
  7. بأستمرار التشريعات التي تسمح للدراسة خارج العراق.. أنتعشت الدراسة الجامعية الأولية والعليا في جامعات  ( بعضها ربحية وغير رصينة) في بعض الدول   العربية والأجنبية  والتي  قد لا تتقيد بأية ضوابط لمعايير الجودة والأعتمادية و المراقبة الأكاديمية و من دون مبالغة .. قد تتجاوز اللوائح القياسية بالنسبة لخطط القبول على ضوء الأمكانات و بما  بتناسب مع  الهيئات التدريسية  .. وقد اصبح الطالب العراقي مصدر أزدهار أقتصادي مؤثر لهذه الجامعات.

 ومما تقدم .. أجد انه من الضروري الأستفادة من تجارب الدول الأخرى في  رسم سياسة أكاديمية وخطة قبول تتماشى مع واقع الأحتياج الفعلي  للبلاد و كيفية مشاركة قطاعات العمل الخاص في التهيئة لأستقبال وأستيعاب هذه المخرجات و توفير فرص عمل متوافقة مع المؤهلات  و  وضع خطط زمنية مستقبلية لأعادة التوازن لمخرجات العملية الأكاديمية بالنسبة للمدارس و الجامعات  .. ونلخص فيما يلي الأجراءات المتبعة في المملكة الأردنية الهاشمية كانموذج :

حيث ساهم  ديوان الخدمة المدنية بشكل مؤثر في توزيع خارطة القبول المركزي لخريجي الدراسة الثانوية و رسم استراتيجات خطة الدراسات العليا من خلال  أستقراء الواقع الأكاديمي و مواكبته للأحتياجات الفعلية في سوق العمل .. مما يدعو الأخرين الى الأستفادة المثلى لمثل هذه التجربة  لتحديد أولويات القبول المركزي للدراسة الثانوية وكذلك بالنسبة لخطة التوظيف في القطاع الحكومي والخاص وفقا للأحتياج الفعلي للبلد .. فقد تم أجراء دراسات تحليلية وفقاَ للمنهج  المؤسسي و بكل دقة وشفافية مما  وفّر قاعدة من المؤشرات المساعدة في توصيف واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية  من خلال  دراسة ميدانية علمية معتمدة على مجموعة من المتغيرات في العرض والطلب مثل الجنس و  المؤهل العلمي والمنطقة الجغرافية  فضلا عن الفرص المضمونة للتوظيف

 أن أنبثاق اللجنة الوطنية لمؤشرات سوق العمل الأردني كان له الدور التخصصي المهم في الوصول الى قاعدة بيانات مهيئة لرسم خطوات مستقبلية تتماشى مع أهدافها   وقد شملت هذه اللجنة  تمثيل لكل من وزارة العمل  وبمشاركة أرباب العمل  و المؤسسات  ذات العلاقة  في تحديد أحتياجات سوق العمل من القوى البشرية ..

وقد تلخصت الأهداف العامة لهذه اللجنة بما يلي : 

    1. تحليل واقع العرض والطلب على التخصصات العلمية لحملة المؤهل الجامعي بالنظر لأهمية بعض التخصصات ومدى التوقع لإحتياجها مستقبلا على مستوى الإقتصاد المحلي والدولي .
    2. تحديد التخصصات المطلوبة والراكدة والمشبعة وحسب الجنس (الذكور والإناث) على مستوى المحافظات وعلى مستوى الوطن , والعمل على ربط هذه النتائج  بمخرجات التعليم العالي بما يسهم في توفير مؤشرات تساعد الطلبة في اختيار التخصصات التي تحتاجها   وفقا  لسوق العمل والموقع الجغرافي  .
    3. تحليل واقع الموارد البشرية في القطاع الحكومي و تحديد مؤشرات شاملة حول مخرجات النظام التعليمي ، من خلال تحديد التخصصات الاكثر كثافة وتصنيفها حسب حالة الطلب عليها، كما هو الحال في التخصصات "الراكدة و المشبعة" باعتبارها تخصصات اقل طلبا
    4. توجيه طلبة الثانوية العامة، نحو اختيار التخصصات المطلوبة، وفقا للتغيرات التي تطرأ على سوق العمل المحلي والاقليمي ووفقا للميزة التنافسية والاحتياجات الفعلية حسب المحافظات.
    5. تشجيع أبناء المحافظات على التوجه نحو التخصصات والمهن التي تحتاجها محافظاتهم وتمكنهم من دخول سوق العمل.
    6. توجيه الطلبة نحو التعليم المهني والتخصصات التقنية والتطبيقية والتي يحتاجها سوق العمل المحلي والإقليمي.
    7. تغيير الثقافة المجتمعية نحو الوظيفة الحكومية، وتشجيع طلبة الثانوية العامة والخريجين نحو المهن والاعمال التي يوفرها سوق العمل،
    8. التوجه كذلك لفتح مشاريع انتاجية صغيرة ومتناهية الصغر من خلال صناديق الإقراض الحكومية الذي يوفر تسهيلات كبيرة لهذه الغاية ولا سيما  لحملة التخصصات الراكدة  والمشبعة.
    9. العمل على أيجادالأليات المطلوبة التي تعمل بشكل تدريجي خلال مدة زمنية لأجل تخفيض القبول في التخصصات التي فاقت حاجاتها بالقبول في الدراسة الجامعية
    10. التوجه لعدم استحداث اي تخصص جديد من التخصصات الراكدة والمشبعة وتشجيع التخصصصات المهنية و التطبيقية و التقنية
    11. بتنظيم حملة توعوية وتثقيفية بمختلف الوسائل موجهة للطلبة الراغبين في استكمال دراساتهم الجامعية والدراسات العليا  وفي ضوء نتائج التحليل حول التخصصات الراكدة  والمشبعة، مع التركيز على الطلبة في مراحل الدراسة الثانوية.

ان الواجب الاساسي لهذه اللجنة هو لأجراء التحليل المعلوماتي لعدد الخريجين للمدارس الثانوية وتخصصات الدراسة التي تستقطب جزء كبير عند التقديم والقبول المركزي او الجامعات الأهلية ومن ثم التحليل المعلوماتي لخريجي الدراسة الجامعية و فرص العمل المتوفرة لهم و للاستفادة من تخصصاتهم او القبول ضمن الدراسات العليا و فرص التوظيف بعد الحصول على الشهادة العليا بما يخدم ويعزز ادارة العملية الأكاديمية بشكل علمي و واقعي.

 

 

 

 

 

 

 



البحث